
مقال رقم (1)
د. بشير زين العابدين
13 أبريل 2010
http://www.alwatannews.net/index.php?m=columnDetail§ion=44&columnID=6571
يصعب فصل تاريخ البحرين في القرن الثامن عشر عن مجمل الأوضاع السياسية في الخليج العربي، فقد مارست القوى البحرية العربية الرئيسة دوراً هاماً في حكم البحرين وتولي شؤونها الإدارية والتجارية. وقد ارتكب العديد من المؤرخين خطأ كبيراً لدى وقوعهم في تكرار ما أوردته بعض المصادرعن تبعية البحرين لفارس. فالدولة الصفوية لم تمارس حكماً مباشراًعلى الموانئ والجزر في الخليج العربي، وإنما اعتمدت نظاماً إدارياً خولت فيه القوى العربية إدارتها نظير دفع ضريبة سنوية. وبرز في تلك الفترة منصب ''شاه بندر'' الذي كان يخول صاحبه استئجار حق جمع الضرائب الجمركية من ميناء ما، وتولي السلطة الإدارية والتجارية بذلك الميناء، وكان هذا المنصب يسند إلى زعماء القوى البحرية العربية إبان القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين)
يصعب فصل تاريخ البحرين في القرن الثامن عشر عن مجمل الأوضاع السياسية في الخليج العربي، فقد مارست القوى البحرية العربية الرئيسة دوراً هاماً في حكم البحرين وتولي شؤونها الإدارية والتجارية. وقد ارتكب العديد من المؤرخين خطأ كبيراً لدى وقوعهم في تكرار ما أوردته بعض المصادرعن تبعية البحرين لفارس. فالدولة الصفوية لم تمارس حكماً مباشراًعلى الموانئ والجزر في الخليج العربي، وإنما اعتمدت نظاماً إدارياً خولت فيه القوى العربية إدارتها نظير دفع ضريبة سنوية. وبرز في تلك الفترة منصب ''شاه بندر'' الذي كان يخول صاحبه استئجار حق جمع الضرائب الجمركية من ميناء ما، وتولي السلطة الإدارية والتجارية بذلك الميناء، وكان هذا المنصب يسند إلى زعماء القوى البحرية العربية إبان القرنين السابع والثامن عشر الميلاديين)
1. وقد وصف نيبور هذا النمط الجمركي السائد في الخليج العربي بقوله: ''يؤجرالكبار للباشوات ولايات كبيرة كانت تشكل في الماضي ممالك قوية، ويؤجر الباشاوات بدورهم مقاطعات صغيرة للآغوات، وكل واحد يفتش عن مصلحته، فالجار القوي يستولي على أملاك جاره الضعيف دون أن يتدخل السلطان أو الباشا، وكل ما يهم هو دفع الإيجارالسنوي).
2. وفي مطلع القرن الثامن عشر كانت الضريبة السنوية على عوائد البحرين تقدر بحوالي 14 ألف روبية، يتم تحصيلها من الضرائب المفروضة على مهنة الغوص لقاء توفير الأمن وضبط الأمور، بالإضافة إلى الجمارك التي يتم تحصيلها من حركة التجارة، وكذلك الضرائب التي كانت تفرض على الفلاحين. ولكن إيرادات البحرين تقلصت إلى الربع بسبب الصراعات التي اندلعت بين القوى العربية للسيطرة عليها، والضعف الشديد الذي انتاب نظام الإدارة المحلية في فترة هيمنة نصر آل مذكور. أما من حيث البنية الاجتماعية فقد كان مجتمع البحرين في القرن الثامن عشر يتكون من بعض القبائل العربية التي استوطنت أرخبيل الجزر قبل الإسلام، بالإضافة إلى عرب الساحل الشرقي للخليج العربي الذين استقر الكثير منهم في البحرين، مستفيدين من العلاقات التجارية النشطة بين ضفتي الخليج العربي من جهة، وهيمنة القوى البحرية العربية في الساحل الشرقي للخليج العربي من جهة أخرى. ويبدوأن الصراعات التي احتدمت بين مختلف القوى العربية للسيطرة على البحرين آنذاك قد دفعت بالغالبية من سكانها للهجرة باتجاه الأحساء والقطيف، إذ تورد المصادر المحلية روايات عدة عن التأثير السلبي للحملات اليعربية على البحرين إبان الثلث الأول من القرن الثامن عشر مما دفع بسكان البحرين للارتحال منها طلباً للأمن، وفي هذه الأثناء كانت القبائل العربية في الساحل الشرقي من الخليج تشجع أبناءها لاستيطان البحرين بهدف تنشيط حركة التجارة وممارسة مهنة الغوص. وبحلول منتصف القرن الثامن عشر تغلبت هذه الفئة من حيث التعداد السكاني، إذ أشار نيبور في تقريره إلى أن غالبية سكان الجزيرة آنذاك كانوا من عرب الساحل الشرقي للخليج).
3. وقد أكدت سجلات شركة الهند الشرقية الهولندية غلبة العنصرالعربي على سكان البحرين عام 1754م، عندما أكد تقرير الممثلية الهولندية في البصرة بأن: ''سكان البحرين هم من العرب وبأنهم لن يقبلوا بأي حكم أوروبي عليها).
4. والحقيقة هي أن العرب قد شكلوا غالبية مجتمع البحرين منذ أقدم العصور، فقد كانت القبائل العربية تقصد أرخبيل الجزر للاستقرار فيه منذ فجر التاريخ، ولم تتوقف هذه الحركة في الحقبة الحديثة من تاريخ البحرين، إذ سجلت مختلف المصادر حركة هجرة واسعة لقبائل عربية في القرن السادس عشر الميلادي، وكان أغلب عناصرها من آل مسلم وآل رحال وآل المقلد وفروع أخرى من قبائل ربيعة وبكر بن وائل). 5. وشكلت قبيلة عنزة جزءاً أساسياً من البنية السكانية للخليج العربي آنذاك، فقد استوطنت عشائر منها إقليم البحرين وأرخبيل جزره طوال فترة حكم العصفوريين والجبور، وكان تواجدها في البحرين سابق لتشكيل تحالف العتوب، فقد أكد المقيم البريطاني في البصرة وليم دوجلاس لاتوش إلى أن القبائل الأساسية الأكثر تأثيراً في المنطقة منذ منتصف القرن الثامن عشر كانت تتمثل في: ''شيوخ بني خالد وشيوخ عنزة والخزاعل''(6). 1- سلوت، ب.ج. (1987) ''سطور من تاريخ البحرين والخليج العربي اعتماداً على الوثائق الهولندية''، مجلة الوثيقة، ع,11 يوليو ,1987 مركز الوثائق التاريخية، البحرين. ص .105 2- كارستن نيبور (2007) رحلة إلى شبه الجزيرة العربية وإلى بلاد أخرى مجاورة لها، الانتشار العربي، لبنان. 2/.96 3- المصدر السابق. 2/.286 4- سلوت (1987) ''سطور من تاريخ البحرين والخليج''، مجلة الوثيقة، ع ,11 مرجع سابق. ص.ص 108-.112 5- بشير زين العابدين (2009) البحرين وعلاقاتها الخارجية إبان القرن السادس عشر. مركز الدراسات التاريخية، جامعة البحرين، البحرين. ص.169 6- Bruce, J. (1810) Annals Of The Honorable East India Company 1600-1800, London. 17/1299, Dated 6th November 1784. ❊ جامعة البحرين
المقال رقم (2)
الهيمنة العربية في الخليج العربي إبان القرن الـ 18
11 أبريل 2010
شهد الخليج العربي في مطلع القرن الثامن عشر ازدهار القوى العربية وهيمنتها على حركة الملاحة والتجارة. وجاء صعود هذه القوى على إثر الضعف الذي انتاب الدولة الصفوية بعد تعرضها للغزو الأفغاني ثم العثماني ثم الروسي على التوالي، مما أدى إلى انهيارها بحلول عام 1713م. وقد تحدثت المصادر الغربية عن هيمنة العرب على الحركة الملاحية في الخليج العربي، إذ وصف الرحالة كارستن نيبور تراجع الوجود الفارسي في الخليج بقوله: ''يخطئ بعض الجغرافيين إذا اعتبروا أن جزءاً من السواحل العربية كان خاضعاً لملوك العجم، بل العكس هو الصحيح، فقد ملك العرب المناطق الساحلية في الخليج من نهر الفرات إلى نهر الأندوس بأكمله، وتعتبر المستوطنات في هذه المناطق الكبيرة مستوطنات عربية يستخدم فيها الناس اللغة العربية والتقاليد العربية مثل سكان الجزيرة العربية تماماً، ويقال إن العرب استوطنوا هذه المناطق الساحلية منذ قرون عديدة، وهناك مؤشرات تدل على وجود هذه المستوطنات العربية منذ أيام الملوك الساسانيين، كما يوجد تشابه كبير بين حياة السكان القدماء للمنطقة وحياة العرب المعاصرين''(1). وعلى الرغم من وقوع الصراعات والاضطرابات فيما بينهم؛ إلا أن العلاقة بين القوى العربية في طرفي الخليج العربي كانت تتسم في أغلب الأوقات بالتماسك الذي ظهرت آثاره في التعاون الذي قام بينهم لمقاومة النفوذ البرتغالي والهولندي وكذلك الفارسي. ففي عام 1716م توجهت قوات مشتركة من اليعاربة والقواسم للسيطرة على جزيرة قشم لتخليص قبيلة بني معين من التسلط الفارسي، وأسس القواسم فيها محطة تجارية. وفي عام 1717م كادت أن تقع هرمز في يد تحالف بعض القوى العربية لولا تدخل البرتغاليين الذين هرعوا لمساعدة الفرس بقوة كبيرة لفك الحصار عن هرمز(2). وفي محاولة لتدارك ضعف الفرس في مجال القوة البحرية، بذل نادر شاه عام 1735م جهوداً حثيثة لتشييد أسطول بحري جعل من مدينة بوشهر مركزاً له، وأخذ ينقل إليها الأخشاب من مازندران في شمال إيران، وكان قوام بحارة أسطوله من الهنود ومن البرتغاليين، ثم عززه ببعض العناصر العربية التي سرعان ما تمردت عليه عندما طلب منها محاربة أشقائها العرب بعمان في أكتوبر 1738م. وعلى إثر ذلك التمرد انضم البحارة العرب في أسطول نادر شاه إلى إخوانهم في عُمان، فقاموا بمهاجمة الفرس في السواحل العربية من الخليج، وحرقوا أغلب سفنهم في جلفار، مما اضطر نادر شاه للجوء إلى الهولنديين الذين أمدوه بقوة حربية هاجمت القواسم في رأس الخيمة وخورفكان، ولكن هذه القوات منيت كذلك بالهزيمة واضطرت الحملة الفارسية-الهولندية إلى الانسحاب من قشم إلى ميناء كونك(3). إلا أن العرب لم يتمكنوا من المحافظة على وحدتهم وتعاونهم، فدب الخلاف بينهم في منتصف القرن الثامن عشر، وقد وصف نيبور حالة نزاع القوى البحرية العربية بقوله: ''يسيطر الهولة على السواحل من بندر عباس إلى راس بردستان وتملك جميع الموانئ فيها، وتمتد جبال ظهرستان إلى البحر ويتوافر فيها الخشب الذي يقوم الناس بتصديره، وعلى الرغم من هذه الميزات فإن عرب الهولة لا يمارسون الزراعة بل يعيشون على الصيد، وهم من أهل السنة، وقد اشتهروا بالشجاعة لدى جيرانهم، وهم إذا اتحدوا فإن بإمكانهم الاستيلاء على كل المنطقة، لكنهم منقسمون على أنفسهم ويرأس كل مدينة شيخ، ولكن ليس هناك من يستطيع جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وتنسيق جهودهم، وهكذا يظلون فقراء ضعفاء''(4). وقد تحدث نيبور في تقريره عن القوى البحرية العربية في الساحل الشرقي للخليج العربي، وتحديداً في: جمبرون (بندر عباس)، وهرمز، ولارستان، وقشم، ومخا، وخرج، ونخيلوه، ونابند، وعسيلوه، وكنكون، وبوشهر، وبندر ريق، وصولاً إلى الحويزة التي كانت تخضع لسيطرة بني كعب(5). ووصف القنصل الهولندي نيبهاوزن بوشهر بأنها منطقة عربية، تعود أصول سكانها إلى مناطق شمال مسقط ويسمون البومهير من الساحل الجنوبي للجزيرة العربية، وكان حاكمها هو ناصر آل مذكور المؤسس لميناء بوشهر(6). وكان من ضمن القوى العربية في الساحل الشرقي للخليج العربي آل حرم، الذين قدموا من ساحل عمان واستقروا في ميناء عيسلوه، وورد في تقرير نيبهاوزن عام 1756م بأنهم كانوا يملكون أربعين سفينة وثلاثمائة رجل مقاتل وكان حاكمهم في تلك الفترة هو: محمد بن ماجد(7). أما في ميناء الطاهرية فقد هيمنت قبيلة النصور(8)، التي كانت تمتلك نحو خمسين سفينة وتسعمائة رجل نصفهم يحمل السلاح وفق تقديرات نيبور الذي أضاف بأن شيخهم هو أغنى الهولة على الساحل، وكان يحصل على مبلغ 14 ألف روبية من ضرائب البحرين التي يقدمها نصر آل مذكور شيخ بوشهر حسب الاتفاق بينهما عندما ساعدوه قبل سنوات على احتلال البحرين واستخلاصها من آل حرم(9). وفي الضفة المقابلة من الخليج العربي، كان بنو خالد يمثلون أكبر قبائل الساحل الغربي من الخليج العربي؛ إذ امتد سلطانهم من قطر جنوباً حتى الكويت وحدود العراق شمالاً. وكان الخوالد قد استولوا على الأحساء من العثمانيين عام 1670م في عهد حاكمهم براك بن غرير. وفي ظل الخوالد تشكل حلف العتوب (في غضون الثلث الأخير من القرن السابع عشر)، وتزعمته عشائر من قبيلة عنزة أبرزهم آل خليفة وآل الصباح والجلاهمة. وبحسب تقرير نيبهاوزن عام 1756م؛ فإن قوتهم البحرية كانت تقدر بحوالي 300 سفينة صغيرة الحجم يستخدمونها للغوص، في حين بلغ تعداد رجالهم المحاربين أربعة آلاف رجل يحملون السلاح. وإضافة إلى العتوب، فقد كان القواسم يشكلون قوة بحرية مهمة، وقد اتخذوا من ميناء صور (رأس الخيمة)، مركزاً لسلطتهم، وقد وصف تقرير نيبهاوزن شيخهم رحمة بن مطر، بأنه: ''أقوى شيوخ المنطقة، وله أتباع عددهم 400 مقاتل مسلحين بالبنادق، ولديه 60 سفينة من الحجم الكبير''(10). أما في عُمان فقد كانت دولة اليعاربة تشهد مرحلة اضطرابات داخلية بلغت ذروتها في عهد الإمام سيف بن سلطان الذي استعان بالفرس للقضاء على خصمه سلطان بن مرشد، ففتح بذلك المجال للتغلغل الفارسي في عهد نادر شاه. وعلى إثر مقتل سلطان بن مرشد ظهر أحمد بن سعيد الذي تولى إدارة صحار في عهد الإمام سيف، وقد نجح أحمد هذا بالتحالف مع القوى العربية الأخرى في تطهير عمان من الهيمنة الفارسية بحلول عام 1744م، مؤسساً بذلك أسرته الحاكمة: أسرة البوسعيد، واستمر أحمد بن سعيد في الحكم حتى وفاته في 15 ديسمبر 1783م(11). والحقيقة هي أن المصادر التاريخية في التاريخ القديم والوسيط والحديث تتضافر لتأكيد حقيقة مفادها أن الخليج العربي بشقيه: الشرقي والغربي قد خضع لهيمنة القوى العربية، التي بسطت نفوذها السياسي وسيطرت على حركة الملاحة والنقل البحري، في حين لم يفلح الفرس في تكوين قوة بحرية تمكنهم من تحقيق طموحاتهم التوسعية في مياه الخليج العربي. 1- الوثيقة (1983) ''الشرق بعيون نيبور، مشاهدات رحالة ألماني عن الشرق منذ أكثر من 200 عام''، مجلة الوثيقة، ع,3 يوليو ,1983 مركز الوثائق التاريخية، البحرين. ص .176 2- أحمد أبو حاكمة (1965) تاريخ شرقي الجزيرة العربية 1750-1800 نشأة وتطور الكويت والبحرين، ترجمة محمد أمين عبد الله، مكتبة الحياة، بيروت. ص 63-.72 3- Verenigde Oostindische Compagnie: 2476, File 182. 4 الوثيقة (1983) ''الشرق بعيون نيبور''، مجلة الوثيقة، مرجع سابق، ع.3 ص .178 5- بنو كعب: قبيلة هاجرت من نجد إلى سواحل الخليج العربي في القرن السابع عشر الميلادي، واتخذوا من الدورق مركزاً لسلطتهم الممتدة على الحدود العثمانية-الفارسية، ونافسهم في النفوذ حكام بوشهر من آل بومهير الذين تعود أصولهم إلى عمان، وقد تحالفت معهم قبائل أخرى كبني صعب وخضعوا جميعاً لحكم ناصر آل مذكور شيخ المطاريش. 6- توفي ناصر آل مذكور عام ,1749 وخلفه ابنه نصر الذي توفي عام .1789 7- يذكر لوريمر بأن آل حرم يعودون في أصولهم إلى الحجاز، وبأنهم انتقلوا إلى فارس مع أبناء عمومتهم بني تميم في حدود عام .1650 ج.ج لوريمر (1976) دليل الخليج، ترجمة مكتب الترجمة بالديوان الأميري، الدوحة. 7/.317 8- النصور: فخذ من الجبور ينتمون إلى غزية انتقلوا إلى اليعيمية شمال القطيف ومنها إلى بر فارس عن طريق جزيرة الزبارة، وكان من أبرز حكامهم الشيخ جبارة النصوري الذي توفي عام 1187هـ/1773م، وخلفه ابنه خاتم الذي استمر حتى وفاته عام 1201هـ/1786م. 9- عبد الرزاق محمد صديق (1993) صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس، مطبعة المعارف، الشارقة. ص 103-.105 10- امتدت سلطة القواسم لتشمل المنطقة ما بين جمبرون وراس بردستان على ساحل الخليج العربي، وكانوا في السابق يخضعون لحكم اليعاربة بعمان، وكان إمام عمان اعترف لسلطتهم المستقلة في رأس الخيمة ابتداءً من عام .1762 أحمد مصطفي أبو حاكمة (1970) تاريخ الكويت، الجزء الأول، القسم الأول، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ص 68-.70 11- راشد أبو زيد ووداد النابودة (1998) تاريخ الخليج العربي، دبي. ص 175-.176 ❊ جامعة البحرين
11 أبريل 2010
شهد الخليج العربي في مطلع القرن الثامن عشر ازدهار القوى العربية وهيمنتها على حركة الملاحة والتجارة. وجاء صعود هذه القوى على إثر الضعف الذي انتاب الدولة الصفوية بعد تعرضها للغزو الأفغاني ثم العثماني ثم الروسي على التوالي، مما أدى إلى انهيارها بحلول عام 1713م. وقد تحدثت المصادر الغربية عن هيمنة العرب على الحركة الملاحية في الخليج العربي، إذ وصف الرحالة كارستن نيبور تراجع الوجود الفارسي في الخليج بقوله: ''يخطئ بعض الجغرافيين إذا اعتبروا أن جزءاً من السواحل العربية كان خاضعاً لملوك العجم، بل العكس هو الصحيح، فقد ملك العرب المناطق الساحلية في الخليج من نهر الفرات إلى نهر الأندوس بأكمله، وتعتبر المستوطنات في هذه المناطق الكبيرة مستوطنات عربية يستخدم فيها الناس اللغة العربية والتقاليد العربية مثل سكان الجزيرة العربية تماماً، ويقال إن العرب استوطنوا هذه المناطق الساحلية منذ قرون عديدة، وهناك مؤشرات تدل على وجود هذه المستوطنات العربية منذ أيام الملوك الساسانيين، كما يوجد تشابه كبير بين حياة السكان القدماء للمنطقة وحياة العرب المعاصرين''(1). وعلى الرغم من وقوع الصراعات والاضطرابات فيما بينهم؛ إلا أن العلاقة بين القوى العربية في طرفي الخليج العربي كانت تتسم في أغلب الأوقات بالتماسك الذي ظهرت آثاره في التعاون الذي قام بينهم لمقاومة النفوذ البرتغالي والهولندي وكذلك الفارسي. ففي عام 1716م توجهت قوات مشتركة من اليعاربة والقواسم للسيطرة على جزيرة قشم لتخليص قبيلة بني معين من التسلط الفارسي، وأسس القواسم فيها محطة تجارية. وفي عام 1717م كادت أن تقع هرمز في يد تحالف بعض القوى العربية لولا تدخل البرتغاليين الذين هرعوا لمساعدة الفرس بقوة كبيرة لفك الحصار عن هرمز(2). وفي محاولة لتدارك ضعف الفرس في مجال القوة البحرية، بذل نادر شاه عام 1735م جهوداً حثيثة لتشييد أسطول بحري جعل من مدينة بوشهر مركزاً له، وأخذ ينقل إليها الأخشاب من مازندران في شمال إيران، وكان قوام بحارة أسطوله من الهنود ومن البرتغاليين، ثم عززه ببعض العناصر العربية التي سرعان ما تمردت عليه عندما طلب منها محاربة أشقائها العرب بعمان في أكتوبر 1738م. وعلى إثر ذلك التمرد انضم البحارة العرب في أسطول نادر شاه إلى إخوانهم في عُمان، فقاموا بمهاجمة الفرس في السواحل العربية من الخليج، وحرقوا أغلب سفنهم في جلفار، مما اضطر نادر شاه للجوء إلى الهولنديين الذين أمدوه بقوة حربية هاجمت القواسم في رأس الخيمة وخورفكان، ولكن هذه القوات منيت كذلك بالهزيمة واضطرت الحملة الفارسية-الهولندية إلى الانسحاب من قشم إلى ميناء كونك(3). إلا أن العرب لم يتمكنوا من المحافظة على وحدتهم وتعاونهم، فدب الخلاف بينهم في منتصف القرن الثامن عشر، وقد وصف نيبور حالة نزاع القوى البحرية العربية بقوله: ''يسيطر الهولة على السواحل من بندر عباس إلى راس بردستان وتملك جميع الموانئ فيها، وتمتد جبال ظهرستان إلى البحر ويتوافر فيها الخشب الذي يقوم الناس بتصديره، وعلى الرغم من هذه الميزات فإن عرب الهولة لا يمارسون الزراعة بل يعيشون على الصيد، وهم من أهل السنة، وقد اشتهروا بالشجاعة لدى جيرانهم، وهم إذا اتحدوا فإن بإمكانهم الاستيلاء على كل المنطقة، لكنهم منقسمون على أنفسهم ويرأس كل مدينة شيخ، ولكن ليس هناك من يستطيع جمع كلمتهم وتوحيد صفوفهم وتنسيق جهودهم، وهكذا يظلون فقراء ضعفاء''(4). وقد تحدث نيبور في تقريره عن القوى البحرية العربية في الساحل الشرقي للخليج العربي، وتحديداً في: جمبرون (بندر عباس)، وهرمز، ولارستان، وقشم، ومخا، وخرج، ونخيلوه، ونابند، وعسيلوه، وكنكون، وبوشهر، وبندر ريق، وصولاً إلى الحويزة التي كانت تخضع لسيطرة بني كعب(5). ووصف القنصل الهولندي نيبهاوزن بوشهر بأنها منطقة عربية، تعود أصول سكانها إلى مناطق شمال مسقط ويسمون البومهير من الساحل الجنوبي للجزيرة العربية، وكان حاكمها هو ناصر آل مذكور المؤسس لميناء بوشهر(6). وكان من ضمن القوى العربية في الساحل الشرقي للخليج العربي آل حرم، الذين قدموا من ساحل عمان واستقروا في ميناء عيسلوه، وورد في تقرير نيبهاوزن عام 1756م بأنهم كانوا يملكون أربعين سفينة وثلاثمائة رجل مقاتل وكان حاكمهم في تلك الفترة هو: محمد بن ماجد(7). أما في ميناء الطاهرية فقد هيمنت قبيلة النصور(8)، التي كانت تمتلك نحو خمسين سفينة وتسعمائة رجل نصفهم يحمل السلاح وفق تقديرات نيبور الذي أضاف بأن شيخهم هو أغنى الهولة على الساحل، وكان يحصل على مبلغ 14 ألف روبية من ضرائب البحرين التي يقدمها نصر آل مذكور شيخ بوشهر حسب الاتفاق بينهما عندما ساعدوه قبل سنوات على احتلال البحرين واستخلاصها من آل حرم(9). وفي الضفة المقابلة من الخليج العربي، كان بنو خالد يمثلون أكبر قبائل الساحل الغربي من الخليج العربي؛ إذ امتد سلطانهم من قطر جنوباً حتى الكويت وحدود العراق شمالاً. وكان الخوالد قد استولوا على الأحساء من العثمانيين عام 1670م في عهد حاكمهم براك بن غرير. وفي ظل الخوالد تشكل حلف العتوب (في غضون الثلث الأخير من القرن السابع عشر)، وتزعمته عشائر من قبيلة عنزة أبرزهم آل خليفة وآل الصباح والجلاهمة. وبحسب تقرير نيبهاوزن عام 1756م؛ فإن قوتهم البحرية كانت تقدر بحوالي 300 سفينة صغيرة الحجم يستخدمونها للغوص، في حين بلغ تعداد رجالهم المحاربين أربعة آلاف رجل يحملون السلاح. وإضافة إلى العتوب، فقد كان القواسم يشكلون قوة بحرية مهمة، وقد اتخذوا من ميناء صور (رأس الخيمة)، مركزاً لسلطتهم، وقد وصف تقرير نيبهاوزن شيخهم رحمة بن مطر، بأنه: ''أقوى شيوخ المنطقة، وله أتباع عددهم 400 مقاتل مسلحين بالبنادق، ولديه 60 سفينة من الحجم الكبير''(10). أما في عُمان فقد كانت دولة اليعاربة تشهد مرحلة اضطرابات داخلية بلغت ذروتها في عهد الإمام سيف بن سلطان الذي استعان بالفرس للقضاء على خصمه سلطان بن مرشد، ففتح بذلك المجال للتغلغل الفارسي في عهد نادر شاه. وعلى إثر مقتل سلطان بن مرشد ظهر أحمد بن سعيد الذي تولى إدارة صحار في عهد الإمام سيف، وقد نجح أحمد هذا بالتحالف مع القوى العربية الأخرى في تطهير عمان من الهيمنة الفارسية بحلول عام 1744م، مؤسساً بذلك أسرته الحاكمة: أسرة البوسعيد، واستمر أحمد بن سعيد في الحكم حتى وفاته في 15 ديسمبر 1783م(11). والحقيقة هي أن المصادر التاريخية في التاريخ القديم والوسيط والحديث تتضافر لتأكيد حقيقة مفادها أن الخليج العربي بشقيه: الشرقي والغربي قد خضع لهيمنة القوى العربية، التي بسطت نفوذها السياسي وسيطرت على حركة الملاحة والنقل البحري، في حين لم يفلح الفرس في تكوين قوة بحرية تمكنهم من تحقيق طموحاتهم التوسعية في مياه الخليج العربي. 1- الوثيقة (1983) ''الشرق بعيون نيبور، مشاهدات رحالة ألماني عن الشرق منذ أكثر من 200 عام''، مجلة الوثيقة، ع,3 يوليو ,1983 مركز الوثائق التاريخية، البحرين. ص .176 2- أحمد أبو حاكمة (1965) تاريخ شرقي الجزيرة العربية 1750-1800 نشأة وتطور الكويت والبحرين، ترجمة محمد أمين عبد الله، مكتبة الحياة، بيروت. ص 63-.72 3- Verenigde Oostindische Compagnie: 2476, File 182. 4 الوثيقة (1983) ''الشرق بعيون نيبور''، مجلة الوثيقة، مرجع سابق، ع.3 ص .178 5- بنو كعب: قبيلة هاجرت من نجد إلى سواحل الخليج العربي في القرن السابع عشر الميلادي، واتخذوا من الدورق مركزاً لسلطتهم الممتدة على الحدود العثمانية-الفارسية، ونافسهم في النفوذ حكام بوشهر من آل بومهير الذين تعود أصولهم إلى عمان، وقد تحالفت معهم قبائل أخرى كبني صعب وخضعوا جميعاً لحكم ناصر آل مذكور شيخ المطاريش. 6- توفي ناصر آل مذكور عام ,1749 وخلفه ابنه نصر الذي توفي عام .1789 7- يذكر لوريمر بأن آل حرم يعودون في أصولهم إلى الحجاز، وبأنهم انتقلوا إلى فارس مع أبناء عمومتهم بني تميم في حدود عام .1650 ج.ج لوريمر (1976) دليل الخليج، ترجمة مكتب الترجمة بالديوان الأميري، الدوحة. 7/.317 8- النصور: فخذ من الجبور ينتمون إلى غزية انتقلوا إلى اليعيمية شمال القطيف ومنها إلى بر فارس عن طريق جزيرة الزبارة، وكان من أبرز حكامهم الشيخ جبارة النصوري الذي توفي عام 1187هـ/1773م، وخلفه ابنه خاتم الذي استمر حتى وفاته عام 1201هـ/1786م. 9- عبد الرزاق محمد صديق (1993) صهوة الفارس في تاريخ عرب فارس، مطبعة المعارف، الشارقة. ص 103-.105 10- امتدت سلطة القواسم لتشمل المنطقة ما بين جمبرون وراس بردستان على ساحل الخليج العربي، وكانوا في السابق يخضعون لحكم اليعاربة بعمان، وكان إمام عمان اعترف لسلطتهم المستقلة في رأس الخيمة ابتداءً من عام .1762 أحمد مصطفي أبو حاكمة (1970) تاريخ الكويت، الجزء الأول، القسم الأول، مطبعة حكومة الكويت، الكويت، ص 68-.70 11- راشد أبو زيد ووداد النابودة (1998) تاريخ الخليج العربي، دبي. ص 175-.176 ❊ جامعة البحرين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق