
مراجعة الموروث الخليجي لثلاثة قرون ماضية
مما لا شك به بأن الأحداث التاريخية التي صاغت تاريخ الخليج العربي، الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، لم تكن وليدة الصدفه كما أنها لم يكتب لها تحديد مصيرها بمعزل عن تأثير دول العالم الكبرى تركيا وبريطانيا وهولندا وإيران، وإنما كانت أحداث الخليج نتيجة حتميه لتصفية حسابات سياسية، تنساب بشكل هرمي من أعلى إلى أسفل، وهي عادة ما تبدأ بأهداف دولة كبرى وتنتهي على شكل صراع أو ثأر عشائري. يجب أن نعي بأنه يجب إعادة النظر بشكل أكثر منهجية في كل ما كتب من تاريخ، وذلك بربط نتائج الاحداث بالأسباب الحقيقية لها، واختيارنا لتاريخ قبيلة العتوب كأنموذجا لإتمام هذه الدراسة كان بسبب الارتباط القوي بتاريخ عرب الهولة وتوفر المصادر التاريخية بمختلف أنواعها، وسهولة الحصول عليها. ونرجو من خلال إثبات وجود هذا التداخل والتعقيد التاريخي الكبير إيضاح أهمية إعادة دراسة مختلف الأحداث التاريخية بتأن أكبر وشموليه أعمق، مع الابتعاد عن النظرة السطحية التي امتاز بها الموروث التاريخي لكتابة القرون الثلاثة المنصرمة.
تاريخ العتوب أنموذجا :
العتوب أو بني عتبة حلف قبلي متباين النسب وينتمي لهذا الحلف عدة أسر وعشائر عربية من أشهرها آل خليفة وآل صباح وآل بن علي وآل جلاهمة وآل فاضل وآل رومي وآل غانم وغيرهم. ويروى الكثير عن أساطير هجرتهم الأولى من بطن نجد في جزيرة العرب إلى سواحل الخليج، وكان الاختلاف في أصل منشئهم واضحا، حيث جاء في تقرير مدحت باشا(1) الذي زار الكويت عام 1288هـ النص التالي:... وهؤلاء العرب من الحجاز وكانوا قبل خمسمائة سنة قد أتوا إلى هذه البقعة هم وجماعة من مطير، وواضع أول حجر في تلك البلدة (الكويت) رجل اسمه صباح.
''كما ونجد الإشارة إلى هذا الاختلاف، في مصادر مطلع القرن العشرين الميلادي في العديد من المراجع ومنها على سبيل المثال كتاب تاريخ الكويت للمؤرخ عبد العزيز الرشيد الذي ذكر بأن عتوب الكويت مختلفين في أصل منشئهم فمنهم من يرى أن هجرتهم كانت أصلا من نجران جنوب الجزيرة العربية ومنهم من يرى بأنهم مهاجرون من خيبر غرب جزيرة العرب، ولكن وكما يعتقد ''الرشيد'' فان شيخ أدباء البحرين الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة حسم هذا النزاع قرابة عام 1332هـ، حول أصل ومنشأ العتوب وذكر أنهم هاجروا من الافلاج (الهدار) وسط الجزيرة العربية، وعلى كل حال فان فرع البنعلي احد أهم وأقدم هذه الفروع لا يزالون يسردون القصة بشكل مختلف تماما ويمكن الرجوع لهذه التفاصيل في مخطوطة راشد بن فاضل البنعلي (مجموع الفضائل)، في حين يجمع كافة المؤرخين المعاصرين على صحة رواية الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة والقائلة بان العتوب هاجروا أصلا من الهدار بالقرب من الافلاج في بطن الجزيرة العربية.
في حين أن المعلومات والوثائق المتوفرة لدينا نحن أبناء هذا الجيل عن عرب العتوب، تصفهم بأنهم عرب ليسو من البدو على الإطلاق بل هم ينحدرون من مجموعة عشائر بحرية تعتمد في معيشتها على ثلاث ركائز أساسية الغوص على اللؤلؤ والنقل البحري وصيد الأسماك، وكانت هذه العشائر (العتوب) تسكن في بندر (الديلم) على الساحل الفارسي في الفترة السابقة للعام 1100هـ، وتقع بلدة الديلم هذه في منتصف الطريق بين أبو شهر وعبادان ويروى بان هذا الميناء ينسب إلى احد شيوخ قبيلة بني تميم في الجاهلية ديلم بن ضبة التميمي وقد يفسر هذا القول انتساب الكثير من الاسر والعشائر القطرية إلى بني تميم، ويدعم هذه الفرضيه قصيده أوردها الربان الشهير أحمد بن ماجد في شعره الملاحي عام 913هـ، حيث يقول واصفاً الطريق البحري من البصره إلى أبو شهر بمحاذاة الساحل الفارسي:
واجر من خارج إلى ري شهر*** زامين في الإكليل اعزم وجر
هناك جنــــابه كـــن عـليما*** وبعدهــا شــط (بني تميم) (2)
ثم أبو شهر تــــرى والأخوار*** إن شيت تدخل اسمع الأشوار
العتوب في الديلمويسكن بندر الديلم عرب بني عتبة وعرب آل خليفات، هذا إذا ما استندنا على الوثيقة العثمانية المؤرخة عام 1113هـ والتي جاء فيها النص التالي:
هناك أيضاً عشيرتان تتبعان لإدارة العجم وهما عشيرة العتوب وعشيرة الخليفات من أهل المذهب الشافعي والحنبلي ويسكنون في مكان قريب من بندر ديلم ويوجد أيضا بندر اسمه كونك فيه سبع أو ثماني عشائر يطلق عليهم أسم حوله كلهم عرب من أتباع المذهب الشافعي.هذه الوثيقة نفسها، أوردها الدكتور فائق طهبوب (3) في كتابه (تاريخ البحرين السياسي)، وعرضها بشكل غير منظم مما جعلها غير مفهومة على الإطلاق (4)، وذكر أن الوثيقة تشير إلى وجود العتوب في بلدة فريحة شمال دولة قطر ...! وفي الهامش يذكر - هو - أن أصل الوثيقة تذكر بلدة الديلم القريبة من بندر بوشهر وترجمتها بلدة فريحة، وهذا ما لا يفهم، كما أن الشيخة مي محمد آل خليفة أشارت إلى هذه الوثيقة أيضا في كتابها (محمد بن خليفة الأسطورة والتاريخ الموازي)، وعلقت عليها وذكرت بأنها غير مهمة وتحتوي على مغالطات تاريخية، وأخيراً صدر كتاب نشأة الكويت لرئيس الأرشيف الهولندي الدكتور ب.ج.سلوت :
وتبعه بعد ذلك الشيخ سلطان بن محمد القاسمي (حاكم الشارقة) الذي أورد ترجمة أكثر وضوحا في كتابه (بيان الكويت) والذي أوضح فيها، أن العتوب والخليفيات كانوا فعلا يسكنون بندر الديلم قبل العام 1113هـ .
و يأتي هنا دورنا كمؤرخين في تقييم صحة هذه الوثيقة، ويتم ذلك عادة بمقارنة ما جاء بهذه الوثيقة بوثيقة أخرى قد تذكر أو تشير إلى هذه المعلومات، وهذا ما دفعني إلى إعادة البحث في تاريخ بندر الديلم الذي لم أكن أعيره أي اهتمام قبل اطلاعي على الوثيقة التي أورد ترجمتها سلطان القاسمي،وكانت نتيجة البحث، العثور على نص وثيقة (لاهاي داغ) الهولندية(5) المؤرخة قرابة عام 1167 هـ والتي تذكر وجود الخليفات في بندر الديلم في ذلك العام.
وهذا نص ما جاء في هذه الوثيقة: وينتهي جون جنابة بحافة بنج الناتئة، التي يقع خلفها بندر ديلم، وهو مستوطنة عربية لعشيرة تسمى خليفات، التي ما تزال تدين بدينها وتحافظ على تقاليدها، وهم فقراء، يعيشون من الملاحة والغوص على اللؤلؤ وصيد الاسماك، ومدينتهم ليست سيئة جدابالنسبة للتجارة، لأنها واقعة على مسيرة يوم واحد من بهبهان المدينة الفارسية الغنية.
وهذا يعتبر مدعما للوثيقة العثمانية التي ذكرت العتوب والخليفات في بندر الديلم، ثم لفت انتباهي أحد الأخوة(,6) إلى إشارة أخرى واردة في مخطوطة لؤلؤة البحرين للشيخ يوسف بن أحمد البحراني المتوفي سنة 1186هـ (7)، والتي جاء فيها النص التالي:
فأقول إن مولدي كان في سنة 1107هـ، وكان مولد أخي الشيخ محمد - مد في بقائه - سنة 1112هـ، في قرية المحاوز، حيث أن الوالد كان ساكنا هناك لملازمة الدرس عن شيخه الشيخ سليمان - المتقدم ذكره - وأنا يومئذ ابن خمس سنين تقريبا، وفي هذا السنة سارت الواقعة بين الهولة والعتوب، حيث أن العتوب عاثوا في البحرين بالفساد ويد الحاكم قاصرة عنهم، فكاتب شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبدالله بن ماجد، الهولة ليأتوا على العتوب، وجاءت طائفة من الهولة ووقع الحرب وانكسرت البلد إلى القلعة أكابر وأصاغر حتى كسر الله العتوب.
و من خلال هذه الدلائل المشار إليها سابقا، نتحقق من صحة الوثيقة العثمانية (8) والتي ستغير وبلا شك زاوية دراسة تاريخ عرب العتوب 180 درجة. على كل حال، كان العتوب والخليفات كباقي عرب الخليج على علاقة بجزيرة البحرين نظراً لوجود مغاصات اللؤلؤ القريبة ومزارع النخيل التي تمثل أحد أهم البضائع التي يتم نقلها من البحرين والأحساء والبصرة. ولا نعلم متى سكن العتوب بندر الديلم ولكن الوثائق تثبت بداية ظهورهم من هذا الموضع(9).
وفي هذا الصدد يذكر الهولنديون أن العتوب لم يكونوا في تلك الحقبة الزمنيه بمهارة الهولة في الملاحة وإجادة الحروب البحرية وهذا ما جعل شيوخ عرب الهوله يتحدون ضدهم ويتقاسمون مغاصات اللؤلؤ القريبة من البحرين ويعتبرونها من أملاكهم الخاصة، وهذا ما دفع الهولة إلى مهاجمة العتوب (10) وإبعادهم عن مغاصات اللؤلؤ عام 1112هـ.
كردة فعل لمهاجمة قبائل الهولة الساكنين بالقرب من بندر كنج عند مدخل الخليج للعتوب ثار عرب (العتوب والخليفات) وهاجموا جزيرة البحرين وأحرقوا بعض مزارع النخيل، وكانت البحرين في تلك الفترة تتبع حكم الشاه حسين بن الشاه سليمان الصفوي(1) وهو الذي حكم في الفترة من (1105هـ - 1133هـ)، ونجد في وثيقة أخرى ما يثبت هجوم عرب العتوب والخليفات على جزيرة البحرين في مخطوط لؤلؤة البحرين تأليف الشيخ يوسف بن احمد البحراني، والذي أشار إلى تعرض البحرين إلى هجوم من قبل العتوب واستنجاد أهالي البحرين بعرب الهولة على الساحل الإيراني.
مخاوف عثمانية:
ونتيجة لهذا الاعتداء واستنجاد سكان البحرين بعرب الهولة، وتمكن الهولة من السيطره على الوضع في جزيرة البحرين، اعترف شاه إيران بعرب الهوله (آل حرم) شيوخا لجزيرة البحرين تابعين للحكم الصفوي، في حين أن الشاه أمر حاكم إقليم فارس أو من ينوب عنه بإرسال قوة برية تخرج من شيراز وتهاجم بندر الديلم لتأديب العتوب والخليفات وكنتيجة حتمية لتحرك هذه القوات هاجر العتوب والخليفات إلى ميناء أم قصر وهذا ما قصد به العتوب كما هو مدون في وثيقة عام 1113هـ ( 2) بأنهم تركوا أرض العجم ''الديلم'' إلى الأراضي التركية ووصلوا بندر أم قصر القريب من البصرة وطلبوا حماية الدولة العثمانية، ونص ذلك نقلا عن ترجمة الوثيقة كالتالي:
وفي أحد الأيام قامت عشيرة حوله بمهاجمة عشيرة العتوب التي هي حليفة عشيرة الخليفات في البحرين وعلى حين غرة قتلت 400 من رجالها واستولت على جميع أموالها. وهرب الناجون من العتوب إلى حلفائهم من الخليفات. ثم اتفق الإثنان العتوب والخليفات على أن ما حدث كان بسبب فتنة العجم الموجودين في البحرين وقالا: لم يبق لنا أمان في البقاء في بلاد العجم بعد الذي حصل، فلنذهب إلى مدينة البصرة التابعة للدولة العلية وبالفعل جاؤوا ودخلوا أراضي البصرة وعددهم ما يقارب 2000 بيت وهم الآن موجودون فيها. وقد جاء إلي أنا مأموركم في البصرة، بعض وجهائهم والتمسوا لأنفسهم طلب البقاء قائلين: إننا من أهل السنة والجماعة تركنا بلاد الرافضيين، بلاد القزل باش(3) ولجأنا إلى سلطان المسلمين للعيش في أراضيه وأنتم أعلم بما يصلح حالنا.

ولكن طلب العتوب قوبل بالرفض خوفا من ردة فعل الإيرانيين المتمثلة باشتباكات بحرية أو برية مع رعايا العثمانيين والقبائل الموالية للحكم الصفوي ممثلة بقبيلة بني كعب في المحمرة والهولة في حوض الخليج العربي، والذي يعني بالتالي تضرر تجارة تركيا المرتبطة بالهند (ممثلة في شركة الهند الشرقية التي كانت صديقة لتركيا). و نتج عن هذا الرفض هجرة العتوب والخليفات من أم قصر إلى بلدة القرين على الساحل العربي وسكنوا بالقرب من كوت أو (قصر) حاكم الاحساء ابن عريعر الخالدي، وضل العتوب في سكون وعزله عن الإحداث السياسية حتى عام 1134هـ، حيث أن الأوضاع السياسية في منطقة الخليج بدأت في التغير ومما لا شك به أن تغير الأحداث السياسية عالميا توثر في نهاية المطاف على وضع عرب الخليج، الذين كانت تربطهم مواثيق مع تركيا أو إيران كل حسب موقعه الجغرفي في حوض الخليج العربي، وفي هذه الفترة تولى عرش إيران الشاه طهماسب الثاني والذي كان حكمه بداية إعلان ضعف وسقوط الدولة الصفوية، إذ أن القوات الأفغانية اجتاحت إيران عام 1136هـ واحتلت أصفهان (4) وامتد النفوذ الأفغاني حتى وصل إلى جزيرة البحرين وتم تنحية شيوخ ال حرم (الهولة) حلفاء الشاه طهماسب الصفوي وتم تنصيب الشيخ جبارة النصوري (الهولي) حاكما على جزيرة البحرين وذلك نتيجة الوساطه التي قام بها الشيخ جباره النصوري بين الأفغان وحكام هرمز. وفي هذه الفترة استغل السلطان العثماني سليمان خان ضعف الحكم الصفوي واحتل مدينة تبريز (5) ولا مانع من إيراد هذا الخبر نقلا عن مخطوطة لؤلؤة البحرين والتي جاء فيها النص التالي:
ثم رجعت إلى البحرين وضاق بي الحال لما ركبني من الديون التي أوجبت لي الهموم بسبب كثرة العيال وقلة ما في اليد، واتفق خراب البلد باستيلاء الأعراب من الهوله عليها حتى صاروا حكامها - لأسباب يطول نشرها - بعد استيلاء الأفاغنه على ملك الشاه سلطان حسين وقتله، ففررت إلى بلاد العجم.
وفي عام 1144 هـ قام القائد نادر خان بعزل الشاه طهماسب وعين الطفل عباس الثالث الصفوي شاه على إيران وأعلن الحرب ضد الأفغان والعثمانيين وطردهم من إيران واعد أسطولا بحريا أرسله إلى جزيرة البحرين وتم بالفعل عزل الشيخ جبارة النصوري (الهولي) وعين على البحرين حاكم من أبناء العجم وذلك سنة 1148هـ (6)، وبعد مقتل نادر شاه المفاجئ استولى عرب آل حرم على البحرين مرة أخرى، وفي هذه الأثناء تقسمت إيران إلى عدة أقاليم وكان أقوى هؤلاء الولاة كريم خان زند حاكم شيراز، الذي أصدر أوامره إلى عامله حاكم بندر أبو شهر باسترداد البحرين من العرب المتمردين (آل حرم) فهم باسترجاع البحرين عام 1151هـ وطرد الهولة، فحاصر الشيخ ناصر آل مذكور البحرين مدة الشهر ثم خرج له عرب آل حرم من قلعة الديوان(7) وانهزم آل مذكور ثم استنجد بعرب الكويت العتوب وذلك بعد أن قدم لهم عروضاً مغرية جدا منها، إعفائهم من ضرائب الغوص في مغاصات البحرين وبالفعل هاجم بتلك الجموع البحرين واستولوا عليها.وفي هذه الفترة وخصوصا مع تحالف العتوب مع كريم خان زند قويت شوكتهم أكثر وعظمت تجارتهم في الخليج وتراجعت قوة الهولة وتم كبح جماحهم، ونرجح - نحن - أن العتوب ومن خلال تحالفهم مع كريم خان زند وخدماتهم له في انتزاع البحرين كانت من الأسباب الرئيسية التي أوجدت للعتوب موضع قدم في سواحل قطر المواجهة لجزيرة البحرين، وبالتالي تأسيس بلدة فريحة أولا قرابة عام 1166هـ، ثم الزبارة عام 1188هـ وهذا يعطي دلالة بأن فرع البنعلي (العتوب) هم الذين ناصروا كريم خان زند نظرا إلى كونهم هم المؤسسين لبلدة فريحة(8).
اوضاع البصرة:
و استطاع كريم خان زند احتلال البصرة عام 1187هـ - 1773م(9) ويذكر لوريمر ويوافقه في ذلك مايلر أن كريم خان الزندي كان منزعجاً من النجاح التجاري الذي أحرزته البصرة بعد انتقال شركة الهند إليها من بندر عباس، ويذكر عثمان بن سند أن احتلال كريم خان للبصرة لم يكن بسبب ضعف الدولة العثمانية وإنما بسبب فساد والي بغداد محمد عجم الذي أخفى الأمر عن السلطان خوفاً من انكشاف فساده وتسلطه على خيرات بغداد، ونتج عن احتلال الإيرانيين للبصرة انتقال شركة الهند الشرقية الإنجليزية من البصرة إلى أبو شهر، في حين أنه وبعد مقتل كريم خان زند قرابة عام 1193هـ (10)، وبعد وصول خبر مقتل كريم خان زند إلى الجنود العجم في البصرة انسحب صادق خان (أخو كريم خان) وجنوده من البصرة دون قتال واسترد الأتراك العثمانيين البصرة.
ونتيجة لتدهور الأوضاع بالبصرة هاجر الشيخ رزق إلى الكويت من البصرة قرابة عام 1188هـ. ويذكر أنه وعندما سكنها كان زعيم العتوب عبد الله بن صباح العتبي وكانت العتوب في تلك الفترة ضعفاء الجانب على حد قول (عثمان ابن سند) ولكن وبعد أن أسند خاصة الناس وعامتهم الأمر إلى ابن صباح أصبحوا في منعة من أمرهم. وأنا أعتقد بأن هذا الكلام يدل على تحرك عثماني ربما خوفا من الإيرانيين أو لأسباب أخرى لا نعلمها، ولكن الذي بين أيدينا هي وثيقة انجليزية (سرية) تحدثت عن ابن رزق الذي سكن الكويت في تلك الفترة، وذكرت بأنه من الرعوية التركية وانه هو الذي قام ببناء القلاع في الفاو وأم قصر(11)، ونحن نعتقد بان والده هو الذي قام ببناء قلعة الزبارة كما وصف ذلك (محمد شريف الشيباني- مؤرخ قطر)، ومن نتائج احتلال الإيرانيين للبصرة أيضا هجرة العديد من تجار البصرة إلى الكويت، فهل تكون فعلا هجرة الشيخ رزق إلى الكويت هي نقطة انطلاق بدء الدعم العثماني للعتوب؟ وهل تم فعلا التخطيط إلى تأسيس الزبارة لمنافسة البحرين في حالة استمرار الحكم العجمي (الزندي) لها أو للهجوم على البحرين واحتلالها؟ وهذا ما حدث فعلا حيث أن النتائج وإن جهلنا بعض أسبابها، ولكن في المقابل كان هناك تحرك من قبل الشيخ رزق وخليفة بن محمد العتبي(12) إلى الأحساء وتم الاتصال بأهلها ونتج عن ذلك نقل جموع من القبائل المقاتلة بواسطة سفن العتوب إلى البحرين (فتح البحرين) من الزبارة والكويت وفي عام 1197هـ. وفي ذلك يقول أحد شعراء العتوب:
ومالت دواسرنا علينا *** وخالفوا وصف ظفير جا من أقصى البعايد
أتانا قبل ناصر بجيش من العجم *** وحنا جعلناهم بليل شرايد
ومما لا شك فيه، بأنه ونظرا لأهمية البحرين وقربها من الاحساء ومقتل كريم خان زند وما تبع ذلك من حرب أهليه في إيران، وضعف دولة بني خالد نتيجة اختلاف أمرائهم على حكم الاحساء وتعرضهم لهجمات شيخ نجد عبدالعزيز بن سعود، ونظرا لعملية الكر والفر بين العثمانيين والإيرانيين وتربص كلاهما بالآخر، كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى تفكير العثمانيين في استغلال سفن العتوب في نقل المقاتلين البدو (الظفير) بحرا من الكويت وساحل (الاحساء) إلى جزيرة البحرين وطرد الإيرانيين منها
الخلاصة وأهم النتائج:
العتوب حلف قبيلي بحري لا علاقة له بالبداوه البتة، ويعمل إفراد هذا الحلف في النقل البحري وصيد اللؤلؤ والسمك، ويسكنون بندر الديلم.؟
لم يكونوا من البدو على الاطلاق.... بل اهل الخليج و البحرين>>>>
تقاتل العتوب مع الهولة في مغاصات اللؤلؤ القريبة من جزيرة البحرين وأدى ذلك إلى هجوم العتوب على البحرين وانتهى الأمر إلى استيلاء عرب الهولة على البحرين عام 1113هـ.؟ أرسل الشاه حسين الصفوي جيش لتاديب العتوب نظرا لهجومهم على جزيرة البحرين، ونتيجة لذلك وصل العتوب إلى الكويت مرورا بميناء ام قصر، وتخلف عدد من الخليفات في بلدة الديلم بعد هجرتهم من بندر الديلم على الساحل الايراني. ؟
اعتلى الشاه طهماسب الصفوي عرش إيران عام 1133هـ، وفي بداية حكمه تعرضت إيران إلى غزو الافغان والعثمانيين الذين احتلوا تبريز واصفهان، واستطاع الافغان بسط نفوذهم على جزيرة البحرين وذلك بتعيين الشيخ جبارة الهولي حاكما من قبلهم قرابة عام 1136هـ، مكافأة له على جهود الوساطة التي قام بها في جزيرة هرمز.
؟ قام القائد نادر شاه الأفشاري بعزل الشاه طهماسب الثاني وعين بدل منه الصبي عباس الثالث، وأعلن الحرب على الافغان والعثمانيين واستطاع ارسال سفن إلى البحرين وعزل الشيخ جبارة الهولي. ؟
بعد مقتل نادر شاه استولى عرب آل حرم على البحرين مرة أخرى، وفي هذه الأثناء تقسمت إيران إلى عدة أقاليم وكان اقوى هؤلاء الولاة كريم خان زند حاكم شيراز.؟ أصدر كريم خان زند حاكم شيراز أوامره إلى عامله حاكم بندر أبو شهر باسترداد البحرين من العرب المتمردين (آل حرم) فأمر قائده كلب علي خان وآل مذكور والعتوب باسترجاع البحرين عام 1151هـ وطرد الهولة والعمانيون.؟ نتج عن تحالف العتوب مع كريم خان زند وخدماتهم له في انتزاع البحرين من عرب الهوله، أن اتسعت بذلك تجارة العتوب وأسسوا بلدة فريحه قرابة عام1151هـ والزبارة عام 1188هـ في قطر.؟
احتلال كريم خان زند البصرة عام 1187هـ - 1773م، وكان ذلك نتيجة انزعاجه من النجاح التجاري الذي أحرزته البصرة بعد انتقال شركة الهند الشرقيه إليها من بندر عباس.؟
بعد مقتل كريم خان زند قرابة عام 1193هـ، انسحب صادق خان (اخو كريم خان) وجنوده من البصرة واسترد الأتراك العثمانيين البصرة دون قتال.؟ بلا شك أن مقتل كريم خان زند واشتعال الحرب الأهلية في إيران أضعف آل مذكور في البحرين كثيرا مما دفع بالعتوب إلى الاستيلاء على الجزيرة، بمباركة الأتراك في البصرة.
هوامش:
1. الشملان، سيف مرزوق، من تاريخ الكويت، الطبعة الثانية، 1406هـ، منشورات ذات السلاسل، الكويت، صفحة .112.
2. خوري، ابراهيم، احمد بن ماجد، شعره الملاحي الجزء الثالث، ص.181.
3. طهبوب، فائق حمدي، تاريخ البحرين السياسي، ذات السلاسل، الكويت، ص.313.
4. من المفارقات في الترجمة التي أوردها فائق طهبوب مثلا أن بندر الديلم المذكور في الوثيقة العثمانية بعد الترجمة إلى اللغة العربية تتحول الى بلدة فريحة شمال دولة قطر، فهل يعقل أن تختلف مسميات البلدان عند الترجمة، و تذكر الوثيقة عبارة ( تركنا ارض العجم) على لسان عرب العتوب و يشرحها المؤلف أي هاجروا من قطر، ولا يوضح كيف يمكن أن توصف قطر بأرض العجم.
5. خوري، إبراهيم، سلطنة هرمز العربية، مركز الدراسات و الوثائق، رأس الخيمه، الطبعة الأولى ,2000 المجلد الثاني، الوثيقة الخامسة - هولندية (لاهاي داغ) ويلم م. فلور ص.225.
6. التاجر، مهدي عقد اللآل في تاريخ أوال..7البحراني، الشيخ يوسف بن أحمد، مخطوطة لؤلؤة البحرين في الإجازات وتراجم رجال الحديث، تحقيق السيد محمد صادق بحر العلوم، مكتبة الفخراوي، ط1 سنة ,2008 المنامة، البحرين، ص.425.
8. ومن الدلائل أيضا على تواجد عرب الخليفات في بندر بوشهر الايراني سنة 1214هـ، ورود ذكرهم في مخطوطة عقد جيد الدرر في معرفة نوروز أهل البحر للمؤلف البوشهري جابر بن عبد الخضر بن هلال العباسي. والتي جاء فيها النص التالي: (يوم الاربعاء 2 صفر 1214هـ وصلنا بندر بوشهر في داونا المبارك بالسلامة، يوم السبت 12 صفر تزوجت بأبنة حجي بن سبت بن محمد حجي وحجي المذكور من شيوخ الخليفات ... الخ. أنظر تحقيق أصل المخطوطة في مجلة الوثيقة، الصادرة عن مركز الوثائق بدولة البحرين - العدد الثاني، السنة الأولى، ربيع الأول 1403هـ.
9. القاسمي، سلطان بن محمد، بيان الكويت.
10. هذه المعركة التي وقعت بالقرب من مغاصات البحرين بين الهولة و العتوب عام 1112هـ، هي نفس المعركة التي ذكرها مؤرخ البحرين النبهاني في كتاب التحفه النبهانيه و نسبها عن طريق الخطأ بأنها معركة وقعت بالقرب من رأس تنوره بين العتوب وآل مسلم حكام قطر في تلك الفترة.
11. شجرة حكام الأسرة الصفويه.
12
. القاسمي، سلطان بن محمد، بيان الكويت.
13. القزل باش: هي فرقة من الجيش الصفوي كانوا يضعون على عمائمهم ريشة طائر كبيرة.
14. ج. سلوت، عرب الخليج، مصدر سابق.
15. المحامي، محمد فريد بك، تاريخ الدولة العلية العثمانية.
16.عقد الالى في تاريخ أوال، مهدي التاجر. مصدر سابق
17. وثيقة (لاهاي داغ)، هولندا. مصدر سابق
18. مجموع الفضائل، راشد بن فاضل البنعلي.
19. فارس، علي احمد، شركة الهند الشرقية البريطانيه ودورها في الخليج العربي، الطبعة الأولى، ص.136.
20. ابن سند، عثمان، اخبار الولي داود.
21. القاسمي، سلطان، بيان الكويت، ص ,404 وثيقة رقم / 347/ خطاب سري من الميجور نوكس إلى الميجور كوكس.
22. عثمان ابن سند، سبائك العسجد.
23. البنعلي، راشد بن فاضل، مجموع الفضائل.